top of page

  الموضوع :

عُمْر الإنسان في الدنيا .. من حدد أيامه وسنينه ؟
من حدد تاريخ بدايته وتاريخ نهايته لكل انسان ؟ وبأي حِكْمَةٍ قُدِّر؟ 

الكاتب   : خالد بن عايض الأسمري

اليوم     : الخميس

التاريخ : 12/ 08/ 1437 هـ

مختصر الموضوع :

يبذل علماء العالم الإنساني في كل زمان وفي كل مكان .. كل جهد ومال ووقت ممكن للوصول إلى تقنية علمية تستطيع إطالة عمر الإنسان ... ولو أنهم بذلوا القليل من هذا الجهد في الطريق الصحيح لعرفوا الحقيقة التي ضلوا عنها .. وما أضلهم عنها الا الشيطان أعاذنا الله من شره ، وفي هذه الحال تتجلى لنا الحقيقة القاعدية الأساسية لكل العلوم بدون استثناء ، والتي هي ( إن كل علم لا يقوم على أساس المفهوم الديني فهو بالضرورة سيكون مخالفاً للدين وبالتالي فهو مخالف للحقيقة ، إذ أن جميع العلوم الصحيحة تنبع من منهال واحد ومصدر واحد ، وهو عِلم الله عز وجل .

photo

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد
فكلنا نؤمن إيماناً مطلقاً بعدل الله عز وجل .. وكيف لا ؟ وهو الذي سمى نفسه سبحانه وتعالى ( العدل )

ولكن هنالك سؤال مٌلِح يجب أن نجد إجابته من خلال عـدل المولى الكريم سبحانه على أن تكون الإجابة من وحي القرآن الكريم وآياته المحكمة ..

والسؤال يقول/
عندما نقف بين يدي الله عز وجل يوم القيامة ما الذي يمنع أحدنا من أن يقول :- يا رب إنك قد وهبتني من العمر كذا وعشرون أو كذا وثلاثون أو كذا وأربعون ( يعني عمراً لا يتجاوز الستون سنة مثلاً )  في الدنيا ولم تمد في عمري كما مددت لفلان الذي عاش أضعاف أضعاف عمري  كنوح عليه السلام الذي عاش ما يربو على التسعمائة سنه وقومه فكان لديهم فرصة أفضل مني في التوبة والرجوع إليك بقلب تائب منيب وأنت العدل سبحانك فأين عدلك في ذلك بيني وبينهم ..؟

إن الله جل في علاه قد قسم الأعمار بين بني آدم وقد عَـدَل جل شأنه في قسمته تلك . فمن يستطيع أن يجزم بالإجابة في بيان الحكمة والعدل في تقسيم الله سبحانه للأعمار ..؟ أحدنا قسم الله له من العُمر ثلاثين وآخر قسم له من العُمر خمسين ..؟


الإجابة

الحمد لله الذي بحمده تدوم النعم .. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للأمم، نبينا محمد وعلى آله وصحبه عدد ماخط القلم، عنا وعن من اتبعه ووالاه إلى يوم النشور
... أما بعد ،،،
فكلنا نعلم بأننا يوما بين يدي الله موقوفون .. وعن أعمالنا محاسبون، في ذلك اليوم العظيم (يوم الوقوف في محكمة الرب) وكلّ يدافع عن نفسه بما أوتي من قوة لينجوا بنفسه من عذاب الله (النار).
قال تعالى
۞ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) سورة النحل
وقوله تعالى 
(۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (16) لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) سورة المجادلة
نستخلص من الآيات السابقة أن كل واحد منا سوف يقف ويجادل عن نفسه ويبرر أفعاله وأقواله بكل ما أوتي من قوة وقد يصل الأمر من البعض إلى أنه سوف يحلف لله بالله ليُبَرِّر أفعاله
والله يعلم بأنه كاذب .. والأعظم من ذلك، أن هذا الحالف يعلم في قرارة نفسه بأن الله يعلم بأنه كاذب حتى من قبل أن يُقدم على اليمين الكاذبة وبرغم ذلك يحلف كذبا .... لماذا.؟
إن كل تلك المجادلات وكل تلك المحاولات المستميتة لكي ينجوا بنفسه من النار.
حسناً إذاً تعالوا نعيش تلك اللحظة ونبحث لأنفسنا عن مخرج من هذا الموقف العظيم ...
- ماذا إن حاججت ربي بأنه سبحانه قد هو الذي اختار لي زمني الذي أعيش فيه ورفقتي التي ترافقني خلال عيشي في الدنيا وأنني لمّا ارتكبت المعاصي إنما ارتكبتها لكوني قد خُلقت وقُدِّر لي أن أعيش في زمنها وبين أهلها .. وأنني أتمنى أنني كنت في زمن أهل العدل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون له صاحباً .. أو زمن الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم أجمعين (فأجد من يعينني على إتيان الطاعات وترك المعاصي)
السؤال هنا
قال تعالى ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) سورة الكهف
.. يؤكد لنا الله عز وجل أنه لا ظلم عنده سبحانه فلو خطر للمجرمين أن يتظلموا من بعض الأمور كموقعهم في الزمن الذي عاشوا فيه ما بين الأولين إلى الآخرين .. هنا يفيدنا عز وجل
بأن خاطرهم هذا خطأ وظنّهم هذا كاذبٌ مردودٌ عليهم وعلى كل من اتبعه ....
والسؤال هنا كيف انتفى وانعدم الظلم هنا في ميزانِ يزن عمل من عاش بصحبة أشرف الخلق عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ويزن عمل من عاش في زمن الفتن التي وصفها عليه الصلاة والسلام بأنها كقطع الليل المظلم ؟ وأن القابض على دينه حينها كالقابض على الجمر.؟

                                                          من كتاب : يا رحمة الله .. للباحث خالد بن عايض الأسمري


الإجابة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول اله .. أما بعد فإن هذه الحجة لهي حجة قوية تنجي صاحبها من كل مترق إذا كان المُحاج بها بشر أو مخلوق ... ولكنها تضيع وتضمحل إن أحدُ حاج
بها (اله خالق الخلق ومدبر الأمر من قبل ومن بعد .. الله أعدل الحاكمين) .. كيف ذلك إن الخلق جميعهم مُدبرون أما الخالق سبحانه فهو المدير ومن شأن المدير سبحانه أنه يعلم حال العُدّر
.. ومن منطلق العدل عند اله سبحانه وتعالى أن من عدله سبحانه وتعالى أنه قد أتى كل أحد من البشر حرية الاختيار في ما يكون له. وفي أي زمن يكون .. ومن أي فئة يكون .. وكيف لا
وقد قال جل من قائل كريم (وإذ أخذنا من بني آدم من ظهور هم ذريتم وأشهدتهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا) إذا هذا دليل على أننا عندما أخرجنا إلهنا من ظهور أبهنا كنا
أحياء نعقل ونتكلم والدليل (قالوا) ... قد يأتي أحد من المُحاجُّون فيقول إن القول هنا ليس بمعنى النطق إنما جاء لفظ القول بمعنى الدلالة إي أننا لم نقل ذلك بصوت مسموع إنما كان القول حالاً لا كلام ...
أقول له ولكل من سيحذوا هذا المنحى إن كنت تستكثر القول علينا في ذلك الحال .. فكيف تؤمن بأننا إخترنا التكليف وكيف تتصور أن الإله قد يقبل منا ذلك إذا لم نكن مُدركين وعلى قدر المسؤولية
التي طلبناها .. اولم يقل المولى عز وجل ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا)
أوليس صفتي الظلم والجهل منوطتين بالقدرة على الاختيار والإدراك الكامل للفعل والقول.؟
لا يمكن أن يقبل المولى عز وجل من مخلوق خلقه أن يتصدى لأمرٍ ويقبل به إلا إن كان هذا المخلوق مدركاً ومُسَلّماً له الاختيار ولا يمكن أن يُسلّم الله الإختيار إلا لمن هو أهلٌ لها. وأقصد بذلك (العاقل)
وبناءً عليه فإن الله لمّا عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال فرفضن حملها وأشفقن من عظمتها وأن الإنسان قد تصدى لحمل هذه الأمانة .. وهي الروح .. (روح الله جل جلاله) خُيّر كل وأحدٍ مِنّا كل
الخيارات اللازمة وهذا باب العدل الذي عاملنا به الله جل في علاه . ثم أخرج الله كل أبناء آدم من ظهور آبائهم وسألهم سؤال الحُجّة المُطْلقة (ألست بربكم..؟) عندها أجبنا جميعاً (بلى) ثم لم نكتفي بالإجابة على سؤاله سبحانه بتأكيد ربوبيته علينا بل زدنا في القول مما يثبت بأننا عُقلاء مُدركون بأن قلنا أننا شاهدون على ذلك بقولنا (شهدنا)
وهنا يأتي قوله الكريم (فإما يأتينكم مني هدى) والهدى جاء هنا بمعنى النور ... يقال لا اهتدي الطريق في ظلمة الليل .. أي لا استطيع أن أرى الطريق لشدة الظلام ... وهذه منّةٌ يمتنُها الله علينا سبحانه وتعالى إذ وهب لنا نوراً نستنير به في ظلمة الدنيا)، ثم قال سبحانه (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون) أي لا خوف عليهم من السقوط في الزلات والمعاصي ولاهم يحزنون أي لن يندموا عند اللقاء يوم الحساب . إذا أحبتي في الله نُخرِج مما سبق بعض الأمور المستخلصة وهي.

١. أن الله جل في علاه عندما عرض الأمانة لم يعرضها على الانسان ، لكن الإنسان لما رأى أن المعروض عليهم قد أشفقوا منها تصدى لحملها من تلقاء نفسه ونرى أن تلك الصفة مجبولون عليها كصفة رئيسية في بني الإنسان وأكثر ما تظهر وتبين لنا من أطفالنا إذ ترى الطفل ينبري ويتصدى لفعل شيء من الأشياء وإن لم يوجه إليه الاختيار ولربما لو استرجع الانسان منا بذاكرته لوجد أنه قد فعل هذا الفعل في صغره مع والديه أو يراها في أبناءه.

٢. استجابة الله سبحانه وتعالى لطلب الإنسان لحمل الأمانة، وفي ذلك دلالة واضحة على أن الإنسان مخلوق مُدرِك من قبل أن يحمل الأمانة وإلا لما حمّلها الله إياها لأن ذلك سيكون ظلماً للإنسان وحاشا الله سبحانه أن يكون ظالما وهو القائل في الحديث القدسي ( عن أبو ذر الغفاري رضي الله عنه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال "يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما. فلا تظالموا..
وسبحانه الله وتعالى عن الظلم .. الحديث
) الدُرر السنيّة

٣. خيّر كل انسان في مقتضيات التكليف ومقومات معيشته ومسلكه في الحياة الدنيا حتى يستطيع حَمل الأمانة كما يجب. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر اختياره لموقعه في التاريخ الإنساني ولِمن يكون نسبه وفيمن يكون عِشرته وعشيرتُه وما إلى ذلك أي أننا نحن من أخترنا موقعنا في الدنيا في أي زمن واخترنا نسبنا لوالدينا وقد اختار أبنائنا الانتساب إلينا ، أما بالنسبة للعُمر الذي تَقَدّر أن نعيشه في الدنيا فهو مرتبط بمقدار ما أخذنا من الثمرة التي أكلها أبونا آدم عليه السلام من الشجرة المُحَرّمة فقد عُرِضت علينا جميعا كلنا أبناء آدم فكلٌ يعيش في الدنيا بقدر ما أكل من تلك الثمرة . والله تعالى أعلم .

٤ . سؤال الله جل في علاه لنا في قوله الكريم (ألست بربكم) دليل قطعي على أن المسؤول هنا منقبل على حال يكون فيه بين مفترق طرق إما العمل بمقتضى أن الله ربه أو العمل بمقتضى
مخالف لذلك. قال تعالى (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا (٣)سورة الانسان

٥. أنا قبل نزولنا إلى الأرض مررنا بمراحل عدد أصلها الإنساني ثم التكويني ثم النسب ثم الهبوط (وهذا يحتاج لشرح في موضوع مستقل بإذن الله تعالى)
 

هذا جواب السؤال والله أعلم
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
من كتاب : يا رحمة الله .. للباحث خالد بن عايض الأسمري

photo
photo

     الجواب     

photo

اخترنا لك

photo
photo
photo
photo
photo

تعليق وحوار

bottom of page