الموضوع :
{ شروط وأخلاقيات الجهاد المجتمعي }
(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
الكاتب : خالد بن عايض الأسمري
اليوم : الاثنين
التاريخ : 30/ 3/ 1439 هـ
مختصر الموضوع :
قال الله جل جلاله وتعالى في كماله ، في كتابه الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)} سورة النحل
محاور الموضوع ( آمنة + مطمئنة + رزقها يأتي من كل مكان ) ÷ ( كفرت بإستحلالها الحرام ) = ( الجوع + الخوف )
هذا مُختصَر قصةٍ تكررت على مر الزمان ، لأممٍ سبقت أمتنا ، وها نحن اليوم نعيش نفس القِصّةُ بأدق تفاصيلها .. ففي أي جزء منها نحن نعيش الآن .؟
الأمن والأمان والطمأنينة كأنت أهم سمات أمتنا هذه حتى يومنا هذا ، ورِزْقُـنا مُستَورَدٌ إلينا من اليابان شرقاً حتى الأمريكتين غرباً ومن الدول الإسكندنافية شمالاً حتى استراليا جنوباً ، عِـشنا رَغَـد العيش ورفاهيـتةُ بأعظم صورها وأكمل صفاتها . تحدث عن نعمتنا الشرقُ والغرب ، ما بين صديقٍ مسرور و عدوٍ حاسدٍ ناقمٍ مقهور ...
فهل يوشِكُ كل ذلك أن يـذهب . . ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ، حمداً يليق بجلال وجهه المبارك ، وبعظيم سلطانه العظيم .. وصل اللهم وسلم وبارك وزد وأنعم على نبينا ورسولنا الأمين ، محمد بن عبدالله ، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ... وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الغُر الميامين ، وعلى كافة أنبيائك وعلى رسلك أجمعين ... اللهم آمين
أما بعد
{ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ }
* هـل أُمّـتـنا اليوم كَافِرَةً بأنعم الله ..؟
هذا هو السؤال المُحْرِج الذي نَتَحَرّجُ جميعنا من أن نسأل أنفُسنا إياه ، ونكره التفكير فيه .. ولكن يجب أن نتتبع الآية الكريمة حتى آخر حرفٍ فيها ( فكما طبقنا أولها على حالنا ووافقنا على صحة ذلك واعترفنا :: بأن الله سبحانه وتعالى قدر رزقنا الأمن والإطمئنان وأرسل إلينا رزقنا رغداً من كل مكان في الأرض :: إذاً يجب أن نستمر في استكمال بقية الآية الكريمة وتطبيقها على أنفسنا " وهذا من باب الإنصاف " حتى لا نكون كمن يقرأ الآية الكريمة ، ولا تقربوا الصلاة .. ويتوقف عن استكمالها )
إن الكُفر بالنعمة ليس برفضها أو بتركها كالكفر بالصلاة مثلاً ، إنما الكفر بالنعمة هو بأخذها والاستفادة منها والتمتع بها ثم لا يؤدى حقها من الشُكر وكل ما يضمن عدم زوالها ..
لدينا ثلاث نِعَم أنعم الله بها علينا في الآية السابقة وهي على التوالي :-
1- ( نِعمة الأمن )
2- ( نِعمة الإطمئنان )
3- ( نِعمة رغَد العيش )
أما نِعمة الأمن فإن أهم حقوقها وأوجب شكرها يكون بنشر إحساس الأمان في نفوس كل من حولك من المسلمين أقارب كانوا أو غير أقارب ، وبعدم ترويع الآمنين وعدم نزع الأمان من قلوبهم بأي شكلٍ من الأشكال . ويشبه ذلك الصلاة فكلما زدت صلاتك طمأنينة كلما زاد أجرك عليها وكلما قللت طمأنينتك بها كلما قل أجرك ، فإن أنت آذيت مطمئنا في صلاته تحول أجر صلاتك إلى وِزْر بدل الأجر ، كذلك هو الحال في أداء نِعمة الأمن .. إن كنت ملاذا آمناً لكل خائف ، واجتهدت في نشر الأمن في قلوب المسلمين أقارباً كانوا أم غير ذلك زادك الله أمناً وحماك بقدرته من كل ما يمكن أن يخيفك أو يروع قلبك ، أما إن كنت سببا ولو بكلمة أو موقف أو فعل مباشر في ترويع مسلم أو مسلمين أقارباً كانوا أم غير ذلك نزع الله عنك لباس الأمن ورفع عنك حمايته ورعايته ..
- إذاً هل رَوَّعْـنا مسلماً ونَزَعْـنا من قلبه الأمان بدلاً من أن نُشْعِرَه به..أم كنا شعباً ينشر السلام ويُناصِرُقضايا الأمة بالمَحَبة والوِئام ويدافع بالكلمة الطيبة عن أمن المسلمين وطمأنينتهم..؟[ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ]
أما نِعمة الطمأنينة فهي تلك النعمة التي لا يمكن بدونها أن تتلذذ بالأمان ، فكم من إنسان يعيش في أمان واستقرار ولا يشعر به وقد نزع الله من قلبه الإحساس بالأمان ، وحق هذه النعمة العظيمة التي رزقنا الله إياها هي بالدعوة إلى الله بالكلمة الطيبة اللطيفة ، الكلمة التي تليّن القلوب وتبعث الفرح والسرور في نفوس المسلمين أقارباً كانوا أم غير ذلك ، وكلما زدت في نشر حُب الله في نفوس البشر كلما زادك الله طمأنينة في قلبك حتى لا تشعر بأي خوف ولا حزن ولو كنت في خط النار بين عدوين متحاربين بالصواريخ والمدافع والدبابات ..
- إذا هل كنا شعباً يدعو إلى الله بالكلمة الطيبة اللطيفة التي تُحَبِّب القلوب في الله وتشعر الناس بالسرور والفرح حتى وإن أظهروا لنا بغضاً أو غضبا ..؟ أم كنا شعباً يكيل بالساب ونشر البغض والاستحقار في نفوس المسلمين أقارباً كانوا أو غير ذلك ..؟ [ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ]
أما نِعمة رغد العيش فإن حقها الأول والأوجب وشكرها الأعظم الذي يبقيها ويمنعها من الزوال هي الصَدَقَة .. لأن الصدقة هي البذل الذي يوجب البذل ، فإن أنت كنت كريماً تبذل مما آتاك الله من خير وتعطي وتجود فأنت تُرِي الله كرمك وجودك ، والله سبحانه وتعالى لا يجازي الكريم والجواد إلا بالجود والكرم ، فما هو مقدار جودك وكرمك بجوار جود الله وكرمه عليك ..؟
- إذا هل كنا شعباً كريماً نعطي بلا مَنٌ ولا أذى ، نعطي ونعطي ونعطي ثم نجود ونجود ونجود ثم نفيض ونتكرم ونفيض ونتكرم ونفيض ونتكرم على القريب والبعيد من المسلمين أقارباً كانوا أو غير ذلك ..؟ أم كنا نبخل ونحْـرِص بأن لا نعطي صـدقة أو زكاة ، أم كُـنّا أسوأ من ذلك ، هـل كـنا نأمر بعـدم التصدق على الناس ونُشَـكِّك في ذِمَّـة القائمين على الجَمْعِـيَّات الخيرية ونُحَذِّر بعضنا منهم لِـكَي نَحرِص عـلى أن لا يتصدق الناس على بعضهم ..؟ [ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ]
والآن بعد أن أجابت أنفسنا على الأسئلة السابقة ، هل كفرنا بأنعم الله علينا أم أدينا ما علينا تجاهها ...؟
[ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ]
*********************************
أياَ كانت إجاباتنا على الأسئلة السابقة ، فنحن على قِسمين رئيسيين هما :
الأول : وهو الصادق مع نفسه الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم ولو كانت اللائمة نفسه ..
والثاني : وهو الذي يتهرب من مواجهة نفسه بحقيقتها تفادياً للإحساس بلوم النفس اللوامة :: التي تلومه على قوله الحق والإعتراف به مهما كان محرجاً :: وهذه النفس ( الأمارة بالسوء )
إذاً فقد فرض الله على النوع الأول واجب النصح للنوع الثاني باستمرار ودون توقف وبكل الطرق الممكنة حتى ينجح بإذن الله ... فمِنْ أيّهُمَا أنت ..؟
من هذا المنطلق فإن من حق الله علينا ، ثم من حق أنفسنا علينا ، أن نحرص كل الحرص على المحافظة على بقاء هذه النعم التي أنعم الله بها علينا ( الأمن والطمأنينة ورغد العيش ) وذلك بالنصح لله ولرسوله ولعامة المسلمين وفق ما قال الله تعالى في كتابه الكريم [ وجادلهم بالتي هي أحسن ] [ وبما رحمة من الله لِنْتَ لهم ] فعلينا أن نتبع الخطوات التالية لضمان بقاء نعم الله التي أنعم بها علينا
1- التواصل مع المسلمين بحب ولين ، والتهادي ( أي تقديم الهدايا ) لكل أخواننا من أقطار البلاد المسلمة الذين يعيشون بيننا ، واختراع المناسبات لذلك الأمر.. كالأعياد ويوم الجمعة وبداية الشهر وإجازات المدارس ، وأي مناسبة يمكن الاستفادة منها للتهادي والتقارب معهم فنحن منهم وهُم منا ؛ أولم يقول الله سبحانه وتعالى ( إنما المؤمنون إخوة ) ، فلِنُشّعِـر إخوتنا ممن هاجروا إلينا لطلب العيش الكريم بمدى محبتنا لهم وبأنهم بين أهيليهم ، فلنُخَفِّف عنهم مئآسي الغُربة وقسوتها .. فهم ونحن عباد الله إخوان .
2- الدعوة إلى الله بإسلوب التحبيب ( أي : باسلوبٍ يجعل السامع يزداد حباً لله ) باسلوب يبعث الراحة والسرور في النفوس وأفضل الأساليب هو ذلك الذي يجعل الإنسان المستمع إليك يضحك سروراً وفرحاً بالبُشْرى وتدمع عينيه غِبْطَةً وحُبَّاً لله سبحانه في نفس الوقت .. وهذا الأسلوب يمكن اكتسابه بكل يسر وسهولة ( لن أذكر المصادر هنا حتى لا تُحارب من قبل أعداء الأمة المتسلطين عليها والذين يكرهون أن يروا الأمة في تناغم وانسجام ومحبةً ووئام ) ولكن يكفي القول بأنها متوفرة بفضل من الله وبأشكال شتى .
3- يقول المصطفى الكريم صلّ اللهم عليه وسلم : الصدقة تطفيء غضب الرب ، فلنطفيء غضب الله بالتصدق عبر كل وسيلة ممكنة ، الجمعيات بحاجة ولو لأقل القليل مما نملك ، ودور التحفيظ بحاجة ولو لأقل القليل ، والعامل في الشارع سواء كان ( عامل النظافة أو عامل في مؤسسة أو في شركة ) الفقراء وما أكثرهم ، عِلْمَاً أن الصدقات أنواع ودرجات ، وأعظم الصدقات هي الصدقةٍ التي تُدخل السرور في قلب أب وأم وإبن ، وإن أعـظـم الصدقات أجراً على الإطلاق هي الصدقة التي تُفَرِّج الكرب عن المكروبين وما أكثرهم ، وليس المال وحده هو الذي يتصدق به فقد تكون مجرد كلمة تتوسط بها ، أو تزكية عند رب عمل في حق إنسان عاطل عن العمل ،
إن مجالات الصدقة واسعة ليس لها حدود وكلٌ بحسب استطاعته .. إلى صاحب المال تذكر قول الله تعالى ( ومما رزقناهم ينفقون ) وإلى صاحب الجاه تذكر قول رسول الله صل اللهم عليه وسلم .. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» (صحيح البخاري 6021)
أيها الناس إذا أردتم بقاء نعمة الرزق الوفير ورغـد العيش فعليكم بالتصدق في كل حين وبكل وسيلة فإن الصدقات مهما صغرت ، تقي من زوال النعمة بل تزيدها وتبارك لكم فيها .. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صل اللهم عليه وسلم: "ليتق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة". رواه أحمد .
ختاما ، وعوداً على بدء : فإن الدعوة المجتمعية سُمّيت بالجهاد المجتمعي : لأن الإنسان الناصح للمجتمع سيقابل أنواع شتى من الناس ، ومنهم الجاهل ومنهم العاقل ، ومنهم الفاسق ومنهم التقي ، ومنهم الضال ومنهم المستقيم ، ومنهم المنافق ومنهم المؤمن ، وقد ينالنا بعض الأذى باللفظ أو باليد أو بغيرهما ، فيجب على الإنسان الناصح أن يضبط نفسه ويكبح غضبه وأن لا يَنْجَر إلى المهاترات والخصام والتلاسن بأي شكلٍ كان ، بل عليه بالصبر واحتساب الأجر من الله عز وجل .. ومن هنا جاء تسمية النصح للمجتمع بمسمى الجهاد لما فيه من مجاهدة الإنسان لنفسه ومجاهدته لغيره بالنصح له باللين والإحسان إليه .. ولتفصيل أكثر حول تعريف النصح للمجتمع بهذا الإسم .. يرجى مراجعة الموضوع الأول من هنا
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وكافة أنبيائك ورسلك أجمعين .. اللهم آمين
والحمد لله رب العالمين
أخوكم في الله
خالد بن عايض الأسمري
تعليق وحوار
