الموضوع :
{ لماذا فضل الله بني اسرائيل على العالمين ..؟ }
( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)) البقرة
الكاتب : خالد بن عايض الأسمري
اليوم : الجمعة
التاريخ : 17/ 12/ 1438 هـ
مختصر الموضوع :
الله جل في علاه يخاطب بني اسرائيل من خلال كتابنا نحن المسلمون ( القرآن الكريم ) فيقول لهم ( أنني فضلتكم يابني اسرائيل على كل العلمين .. ونحن العرب من ضمن العالمين ......
** ماهو نوع هذا التفضيل وماهيته ..؟
ليس هذا هو السؤال المطلوب الإجابة عليه الآن برغم أهميته إلا أن هناك سؤلان أساسيان يجب معرفة اجاباتهما أولاً للوصول إلى العلم بالجواب عن هذا السؤال تحديداً .
س1 :- ماهو سبب تفضيل الله لبني اسرائيل تحديداً على بقية الأمم ..؟
س2 :- ماهو سبب اختيار الله سبحانه وتعالى لكتابنا نحن ( القرآن الكريم ) ليبعث من خلاله برسالته هذه لبني إسرائيل ولم يرسل لهم بهذه الرساله عبر أي وسيلة أخرى كالإنجيل مثلاً أو غيرها ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الأولين والآخرين ، المهتدين والمغضوب عليهم والضالين ، حكيم لطيف خبير عظيم ..
وصل اللهم وسلم على خاتم النبيين والمرسلين ، الهادي بهديك الكريم ، الصادق المصدوق المأمون الأمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الغر الميامين ، وعلى كافة أنبيائك وعلى رسلك أجمعين ... اللهم آمين
أما بعد
- فيقول الله جل من قائل عليم :
بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)) سورة البقرة
ماذا يظهر لنا من الآيات الكريمة السابقة ..؟
يظهر لنا جلياً إلحاح بني إسرائيل لمعرفة أدق تفاصيل تلك البقرة التي أمرهم الله بذبحها ، ومجادلتهم لموسى عليه السلام إبتداءً بقولهم ( أتتخذنا هزؤاً .. ؟ ) استنكاراً منهم على موسى عليه السلام ، كيف يأمرهم بأمرٍ ناقص غير واضح الملامح وكأنهم يقولون لموسى [ ياموسى قد عرفت أننا أكثر الأمم معرفة بالله ، وأن الله سبحانه وتعالى لا يأمر بأي أمرٍ إلا وله حكمة فهو الحكيم الخبير ، ولا يأمر بأمر ناقص ، وتدّعي بأن هذا الأمر الناقص من الله ..؟ أتستهزء بعقولنا وتعاملنا معاملة الجاهلين بالله ..؟ ]
فقال لهم موسى على الفور { أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } .. أعوذ بالله أن أكذب على الله وأكذب عليكم فآمركم بأمر لم يأمرني الله به وأدعي كذباً بأنه من عند الله ، ولا استهزيْ بكم وبعقولكم فأنتم أهل عِلْمٍ ومعرفة بالله ، ولن يفوتكم أن تدركوا صحيح الخطاب من مكذوبه ، ولا يفعل مثل هذا الفعل إلا جاهلٌ بالله سبحانه وتعالى وجاهلُ بكم ، وإني لأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ..
قالوا .. أدع لنا .. ولم يقولوا أدع ربك ، وفي خطابهم هذا لموسى عليه السلام [ أدب العَالِمْ ] في مخاطبته لمن له مقام عالي عند الله .. فقولهم [ أدع لنا ربك يبين لنا ] تأدب ذو العلم في الخطاب ففيه محافظة على المقامات مقام الله سبحانه وتعالى بحيث أنهم طالبوا موسى عليه السلام بأن يتوسط بينهم وبين الله سبحانه وتعالى ليبين لهم ما خفي عليهم من تفاصيل الأمر الذي جائهم به وقد أدركوا إدراك عالم بأن الأمر لم يأتي اليهم بهذه الطريقة إلا إختبارً لهم ، فتجاوبوا مع الأمر بما يقتضيه من أدب في الخطاب واستزادة في تفاصيله ليدركوه ويعلموا الحكمة الإلاهية من ورائه ..
ولم ينازعوا موسى عليه السلام مكانته التي وهبه الله إياها ( نبي ورسول وكليم لله سبحانه .. يصل أوامره ونواهيه إليهم ) ولم يقصونه ويبعدونه من مكانته بل أدركوا بعد أن استعاذ موسى من أن يكون من الجاهلين إنما أرسله الله سبحانه وتعالى إليهم بأمر منقوص هو اختباراً لهم .. فحفظوا لموسى مكانته التي وضعه الله فيها كوسيط بينهم وبين الله ربهم ، وحفظوا مكانة الله جل في علاه في قولهم ( ربك ) ليكونوا هم الأدنى مكانة وفوقهم موسى عليه السلام في مكانته ثم فوقهم جميعاً الله ربهم ورب موسى عليه السلام ...
فجاء قولهم أدع لنا ربك .. كأفضل ما يكون رداً وجواباً وخطاباً لموسى عليه السلام ...
ولو كان في الأمر سوء أدب ، لما نفّذ موسى عليه السلام طلبهم بمعرفة المزيد من تفاصيل الأمر ، لاسيما ونحن نعلم طباع وأنفة وقوة نبي الله موسى عليه السلام في الحق .. فهو رجلُ شديد الطباع منيف الخطاب قوي الشكيمة رهيب الغضب ..
وإنما نعلم من تجاوبه المباشر مع طلبهم بمدى رضاه عنهم فعاد إلى ربه سبحانه وتعالى فسأله فأجابه ثم عاد فسأله فأجابه ثم عاد فسأله فأجابه سبحانه ليبين لهم حتى يكتفوا ، ولم يجيبهم بشكل كامل عند أول سؤال بل بقدر سؤالهم أي ( بين لهم الله تفاصيل أمره إليهم على دفعات ) بحسب سؤالهم فقط .. ولذلك حكمة عظيمة لمن أراد الاستزادة في هذه الجزئية بالذات
:: وأرجو المعذرة سأتجاوز هذه الجزئية حتى لا أطيل ولأن ليس لهذه الجزئية مقام في هذا ( التأمل ) تحديداً ولربما سأفرد لها مقام آخر في وقت لاحق إن شاء الله تعالى ::
فلما انتهوا من أسئلتهم عرفوا حكمة أمر الله لهم ، إذ أن خصوصية هذا النوع من البقر بتلك المواصفات الدقيقة ( لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ، فاقعة الصفرة تسر الناظرين ، لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها )
لها فوائد عظيمة معجزه ...
السؤال هنا كيف عرفوا أن أمر الله لهم بذبح بقرة سوف يكون بهذه الدقة والتفصيل وأنه جاء بمعجزة .. قبل أن ييبين الله لهم ذلك عن طريق رسوله موسى عليه السلام ..؟
من هنا أحبتي في الله جاء تفضيل الله سبحانه وتعالى لبني إسرائيل على العالمين ، بأنهم قومٌ لا يترددون ولا يتكاسلون ولا يستحون من أن يسألوا ويزدادوا علماً فأصبحوا قوماً ذووا علم ومعرفة
هم أهل تأمل وتفكر وتدبر في كل شيء من علوم الدنيا والآخرة فظهر فيهم علماء فاقوا بعلمهم كل أهل الأرض ، ويكفي أن نشير إلى قول الله عنهم
قال تعالى ( أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) ) الشعراء
أحبتي في الله ، إن الله يحب في عباده كل متأمل ومتفكر ومتدبر في آيات الله في الخلق وفي القرآن وفي العلوم الدنيوية وعلوم الآخرة ، فهذا خليل الله ( ابراهيم عليه السلام ) يتأمل في الكون باحثا عن ربه حتى هداه الله إليه ، وهذا موسى يتأمل في أسماء الله في قصة الفارس والراعي والمسافر ، وهذا نبينا الأمي اللهم صل وسلم وبارك عليه ( محمد بن عبدالله ) كان ينفرد بنفسه في غار حراء قبل بعثه رسولاً بالكتاب المبين متأملاً ومتفكراً ومتدبراً في ملكوت الله فيما يراه في الناس وفيما يراه في السماوات والأرض والجبال
وإنما أرسل الله سبحانه وتعالى بهذه الرسالة من خلال قرآننا الكريم نحن المسلمين إلى بني إسرائل في ذلك رسالة واضحة من الله سبحانه وتعالى لنا نحن أهل هذا الكتاب الكريم : مفادها يا أيها المسلمون إنما فضلت بني اسرائيل على العالمين بسبب حبهم للعلم واجتهادهم في البحث عنه والبحث فيه .. فأكثروا من التأمل والتفكر والتدبر إن أردتم علو المكانة ورفعة المنزلة ..
ولا تنسوا قول الله تعالى لكم في الحديث القدسي ( من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إلي باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ) ..
ولا تنسوا قول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ( إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) ) الإسراء
فالتأمل والتفكر والتدبر في كتاب الله القرآن الكريم هو من أسرع وأعظم التقرب إلى الله عز وجل
هذا وصلوا وسلموا على من أمرنا الله بالصلاة والسلام عليه .. اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وعلى أصحاب محمد الطيبين الطاهرين ، وعلى كافة أنبيائك ورسلك أجميعن ومن اتبع هداك إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك ولطفك وكرمك يا أرحم الراحمين ... اللهم آمين
والحمد لله رب العالمين
تعليق وحوار
