top of page

الموضوع :

{ قوانين الإسلام  في زمن الفتن  }


- أيهما الصحيح : إعتزال الأمر كله ولزوم المنزل والرهبنة ..؟

      أو الدعوة إلى الله ومحاربة الفساد بالحكمة والموعظة الحسنة ..؟ 

الكاتب   : خالد بن عايض الأسمري

اليوم     : الاثنين 

التاريخ : 30/ 3/ 1439 هـ

مختصر الموضوع :

انزلق المجتمع إلى منزلق الفساد والإنحلال ، وأصبحت المطالبة بالإنفتاحية والتغريب الكامل من أهم المطالب التي يناشد بها 
فأصبح السفور والمجون والمرقص والمغنى مطلبٌ أهم وأوجب من السكن ومعالجة بطالة الشباب والعزوف عن الزواج ، وأهم من معالجة الإنهيار التعليمي والصحي ..

ومن هذا المنطلق وجب على كل عاقل مدرك لخطورة الأمر ، البحث عن سبل وطرق لمعالجة هذه الكارثة وإطفاء نارها  قبل أن تحرق الأخضر واليابس ... 

غير أنه يجب أن يكون ذلك من خلال التوجيهات الإلاهية في القرآن الكريم ، وتوجيهات رسول الهدى محمد صل اللهم عليه وسلم .. قال تعالى ( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) . وقال رسول الله ( إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه) رواه مسلم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحَمْدُ لله وَحْدَه ، حَمْدَاً يَلِيقُ بِجَلالِ وجَهَهُ الْمُبَارَكْ ، وبِعَظِيمِ سُلْطَانَهُ الْعَظِيمْ .. وصَلِّ اللّهُمَّ وسَلِّمْ وبَارِكْ وَزِدْ وأنْعِمْ عَلَى نَبِيَنَا وَرسُوُلـِنَا الأمِينْ ، مُحَمَّدُ بِن عًبْدْاللّة ، أدّىَ الأمَانَةَ وبَلِّغَ الرِسَالَة ْ... وَعَلَى آلِهِ الطَيْبِينَ الطْاهِرِينْ ، وَعَلىَ أصْحَابِه الغُرُ المَيَامِينْ ، وعَلَى كافّةِ أنْبِيائِكَ وعَلَى رُسُلِكَ أجْمَعيِن ... اللّهُمَّ آمِين 

أمَّا بَعْدْ

هناك حُكْمٌ كونيٌ ثابت أصدره الله عز وجل على الأمم التي يستشري الفساد الأخلاقي وتضمحل الثوابت الدينية في مجتمعاتها .. وهو ( حُكْمٌ كوني : أي حُكْمٌ قَدَريٌ مستمر يقع على كل أُمَّةٍ  ينطبق عليها الشروط السابقةِ )


فماهو حُكْمُ الله على الأمّة التي يتغلغل الفساد فيها حتى يصبح كجُرحٍ متقيّح يحتاج لمعالجةً جراحية لتطهيره وتنطيفه  .. وهل سنجد في كتاب الله ( قرآننا الكريم ) مثالا على ذلك ..؟


قال الله تعالى :  وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) الزمر

إذاً تعالوا نرجع للقرآن الكريم نبحث فيه عن مَثَلٍ من الأمثال التي اوردها الله سبحانه لنا لعلنا نتذكر ونعرف ماهو الحُكم الرباني على الأمم في حال فسادها . 

 بسم الله الرحمن الرحيم - ( قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) ) سورة المائدة

بعد خروج موسى ببني إسرائيل من مصر ونجاتهم من فرعون ومع ما تعرض له موسى من إساءة بني إسرائيل المتكررة له ، استمر موسى في سيره بهم إلى أرض الشام وتوالت الأيام وفى الطريق وقبل أن يصل بهم موسى إلى الأرض المقدسة التي كان يسكنها الكنعانيون الجبابرة ، أمرهم أن يعدوا أنفسهم لدخولها وأن يوطنوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله ليحصل لهم ذلك وفى سبيل الاستعداد والإعداد لدخول الأرض المقدسة اختار موسى منهم اثني عشر نقيبا أمرهم أن يتقدموه في دخول الأرض المقدسة ليعرفوا أحوالها وأحوال سكانها ونفذ النقباء ما كلفهم به موسى ثم عادوا بعد تعرفهم على أحوالها وأحوال سكانها ليقولوا له : إن الأرض المقدسة تدر لبنا وعسلا إلا أن سكانها من الجبارين

وأخذ كل نقيب يخذل ويثبط جماعته عن دخولها إلا رجلان منهم فإنهما أمرا بني إسرائيل بأن يطيعوا نبيهم موسى وأن يصمموا على دخول الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم وبشرهم بالنصر إذا اعتمدوا على الله تعالى وأخلصوا النية للجهاد ولكن بنو إسرائيل عصوا نصيحة الرجلين الناصحين لهم كما عصوا نبيهم موسى فكانت نتيجة جبنهم وعصيانهم أن ابتلاهم الله تعالى بالتيه أربعين سنة

ماهي الحكمة من ذلك 


أي ( ماهي الحكمة الإلاهية من اصدار حُكْمِهِ سبحانه على بني إسرائيل بالتيه أربعين سنه ؛ يتيهون فيها في الصحراء يعانون فيها قسوة الحياة وشظف المعيشة وغلظة عدم الإستقرار ..؟ )

بعد أن رفض بنو اسرائيل أمر الله سبحانه وتعالى لدخول الأرض المقدسة خوفاً على حياتهم البئيسة ، قال الله تعالى ( وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ) 96 البقرة
أخبر الله سبحانه وتعالى نبيه موسى عليه السلام أن ذلك الجيل من بني اسرائيل جيلٌ لا أمل فيه .. جيل سكن في قلوبهم الوهن والضعف وقلة الحيلة وضعف الإيمان بالله .. لذلك حكم الله عليهم بأن يبقوا في التيه اربعين سنة ليهلك من يهلك منهم ويهرم من يهرم في حين يتربى الجيل القادم على شظف العيش وقسوته فيكونون عند استلامهم زمام أمر عشائرهم رجالا أقوياء يعتمد عليهم للجهاد في سبيل الله ولقتال الجبابرة الكنعانيون في الأرض المقدسة والأربعين سنة هي الفارق الزمني الطبيعي بين الجيل والجيل ...

إذاً فإن قساوة الحياة وعدم الأمان وعدم الراحة والإستقرار ، هو الحكم الكوني الإلاهي على كل مجتمع يكثر فساده وتضمحل أخلاقه ويقل وازعه الديني ..

 

فما العمل لتلافي هذا المصير ، وكيف النجاة منه ..؟

إن بقاء الإنسان في داره والتزامه الصمت ( كما ينصح به البعض هداهم الله ) هو أوهن الوهن وأرذله وأمقته عند الله سبحانه وتعالى لأنه يعتبر ( رهبانية ) والرهبنة محرمة في الاسلام ...

ذلك بأن الله لا يحب الرجل المعتزل المترهبن في صومعه أو منزل .. قال تعالى ( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ) 

جاء في الحديث عن أبي رقية تميمِ بن أوسٍ الدَّاري - رضي الله عنه - أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الدِّين النصيحة))، قلنا: لِمَن يا رسول الله؟ قال: ((لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين، وعامَّتِهم))؛ رواه مسلم.

وهذا الحديث الشريف رواه خمسةٌ من أجِلاَّء الصحابة، هم: تميم بن أوس الداريُّ، وابن عُمر، وأبو هريرة، وثوبانُ، وابن عبَّاس - رضي الله عنهم جميعًا - وهذا يدلُّك على أن النَّصيحة هي ركيزة الدين وأصله .

وفي هذا دليل قاطع على تحريم الرهبنة في الاسلام .. لأن معنى الحديث الشريف أن ديننا الإسلامي يقوم على التناصح في الله ولله ، ( وأن من لم ينصح لله ولكتابه ولرسوله .. المسلمين  فلا دين له ) 

( والرهبنة هي انقطاع الانسان عن المجتمع واعتزاله عنهم فلا ينكر عليهم فعل سوءٍ يفعلونه ولا يناصحهم ولا يدلهم على طريق الحق .. انما يخالطهم لشئون حياته فقط ، ويعزل عنهم في عبادته )

وقد قال الله تعالى مادحاً أمّة محمد صل اللهم عليه وسلم في القرآن الكريم ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) سورة آل عمران 


والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلٌ من أصول التناصح وركن من أركانه ، وهو غير مختص بفئة من المسلمين دون غيرهم بل هو ركيزة الدين لكل من قال لا إله إلا الله ، ومن ترك النصح فقد ترك الدين .. والدليل في الآية الكريمة والحديث الشريف السابقين وغيرهما ...

                                                                                                                                                                                                                                                                   *************

إذاً فإن الوقوف في وجه الفساد بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة

( واجب ، بل هو فرض عين على كل مسلم .. حُكمه كحكم الصلاة والزكاة والصوم .. لا يكمل دين المرء إلا به ) 

ولا يجوز تركه أو التهاون  فيه أو التخلي عنه بأي عذرٍ كان إلا لمن كان أبكم وأصم وأعمى فقط

.. وإلا فإن حكم المتهاون والمتخلي عنه ومعتزله ، كحكم الخوالف الذين تخلفوا عن رسول الله صل اللهم عليه وسلم .. وقصتهم مذكورة في القرآن الكريم في سورة التوبة ..

وقال الإمام أحمد : حدثنا يعمر ، حدثنا عبد الله ، أخبرنا سفيان ، عن زيد العمي ، عن أبي إياس ، عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لكل نبي رهبانية ، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله عز وجل "

حيث أن الجهاد على أوجه عدة من الأدنى إلى الأعلى  :-

1- ( جهاد النفس بترويضها على طاعة الله ورسوله ونهيها عن المحرمات : عن فَضَالَة بْن عُبَيْدٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ ) 


2- ( وجهاد الوالدين وذوي القربي " قال تعالى : وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) )


3- ( وجهاد المجتمع بالنصح لهم : قال الحافظ أبو نعيم : هذا الحديث له شأن ، ذكر محمد بن أسلم الطوسي أنه أحد أرباع الدين . وخرجه الطبراني من حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :من لا يهتم بأمر المسلمين ، فليس منهم ، ومن لم يمس ويصبح ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ، ولعامة المسلمين فليس منهم . وخرج الإمام أحمد من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : أحب ما تعبدني به عبدي النصح لي ) ®


4- ( جهاد الكافرون : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) )

*************


أما شروط وطرق ونوع هذا الجهاد فقد تم إفرده في الموضوع التالي  ( هُـنـا )

قال الله تعالى :  ( ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ( 125 ) ) سورة النحل

وقال سبحانه :  ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ( 159 ) آل عمران

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وكافة أنبيائك ورسلك أجمعين .. اللهم آمين 

والحمد لله رب العالمين


     أخوكم في الله
 خالد بن عايض الأسمري

photo
photo

تعليق وحوار

photo
bottom of page